3000817ولقد استطرد بنا القلم فلنعد إلى موضوع النظام الأمني، ولنرجع إلى أوائل الثمانينات فنقول:
عندما رفضت دول المنطقة الوجود الأمريكي المباشر والأحلاف العسكرية مع
أمريكا وأعلنت مراراً وتكراراً وعقب كل اجتماع تقريباً أن أمن
الخليج مسئولية أبنائه، جاءتها
أمريكا من الباب الآخر من الثغرة التي لم نسدها بعد، وأعني بها التخلف التقني، ومخالفة أمر الله بالإعداد الذاتي مع التوكل عليه وحده، وذلك حين لجأت دول المنطقة إلى شراء صفقات هائلة من الأسلحة المتطورة جداً، والأنظمة الحديثة للقيادة والسيطرة والاتصالات بغرض الدفاع عن نفسها -طبعاً- ولكن أيضاً بغرض إقناع
أمريكا بأنها قادرة على حماية نفسها، واسترضاءً لها من ناحية أخرى، هذا مع رفع إنتاج النفط بما يناسب مصلحة الغرب، وإن كان مضراً باقتصاد هذه الدول وثروات أجيالها... وغير ذلك مما لا مجال لذكره.
ومن هنا خططت
أمريكا والغرب لاستنزاف ثروات المنطقة من جهة، واستخدام هذه الأسلحة المتطورة لتكون مجرد مقدمة للوجود العسكري الأمريكي من جهة أخرى.
ولعل الغريب حقاً أن الصحافة الأمريكية نشرت هذا المخطط الخطير البعيد المدى، ومما نشر سنة 1981 أن عام 1990 -الذي هو عامنا هذا- سوف يكون عام الربط المتكامل بين القوات المحلية المتسلحة بهذه الأسلحة وبين القوات الأمريكية في المنطقة وفق تلك الأنظمة المتقدمة للسيطرة والقيادة والاتصال!! وإليكم بعض ما نشرته
صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 1/11/1981م وترجمته بعض المجلات العربية في حينه مع التوطئة له، وموضوعه -طائرات الأواكس والنظام المتطور للاتصالات:
على أساس الفرضية القائلة أن
الولايات المتحدة تتهيأ لمزيد من التورط، وأن إمكانية استخدام قوات التدخل السريع تصبح يوماً بعد يوم إمكانية حقيقية يصبح من الممكن البحث في معنى صفقة "الأواكس" إلى
السعودية جاء كمحاولة لسد الثغرات في إمكانيات قوات التدخل السريع وخاصة بسبب عدم وجود إمدادات كافية من المياه العذبة للقوات والمعدات، وعدم وجود نفط مكرر، وعدم وجود تسهيلات مناسبة للمواصلات والنقل في القواعد التي حصلت عليها إدارة
كارتر، إذ أن "
دييغو غارسيا"
مصر و
الصومال و
كينيا و
عمان -باستثناء
البحرين- كلها تبعد بين 500 و2300 ميل عن النقاط الحساسة لتواجد القوات الأمريكية.
أما الثغرة الأساسية الثانية فقد تمثلت في النقص في طائرات النقل للقوات والمعدات، وعلى هذا الأساس خططت الإدارة الأمريكية منذ عهد
كارتر لسد الثغرات من خلال تطوير نظام أمني إقليمي جديد بقيادة
السعودية التي تشكل النقطة المركزية فيه، وكان
روبرت كومر -الذي كان مساعداً لوزير الدفاع في إدارة
كارتر والمخطط الأساسي لتطوير قوات التدخل السريع- قد لعب دوراً هاماً في تطوير الاستراتيجية
السعودية الأمريكية المشتركة والتي بدأ البحث فيها بين وزير الدفاع في إدارة
كارتر هرولد براون و
الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي في خريف عام 1985م والتي بموجبها كان على الطرف السعودي إعطاء تسهيلات ومنشآت للتخزين لصيانة المعدات العسكرية المتمركزة في المنطقة والخاصة بقوات التدخل السريع مقابل حصول
السعودية على نظام قيادة وسيطرة واتصالات متطورة (سي3)، بالإضافة إلى عتاد آخر مثل: طائرات الأواكس، وعلاقات القنابل للطائرات "إف- 15" وقد صرَّح
كومر ''أن بعض الناس يدَّعون بأن قوات التدخل السريع مبنية على أسس واهية'' وكان ممكناً اعتبارها كذلك حسب رأيه في حال عدم تطوير النظام الدفاعي المشترك مع
السعودية.
وتكمن الخطة الأولية لتطوير هذا النظام الدفاعي في برمجة أحدث الأساليب في مجال تكنولوجيا العقول الإلكترونية للتنسيق بين إمكانيات الدفاع الجوي السعودي وإمكانيات الدفاع الأمريكي في المنطقة. كما قدمت دراستان أخريان حول إمكانيات التنسيق بين القوات الأرضية والبحرية
السعودية وإمكانية دمج القوات الثلاث في نظام قيادة واتصالات وسيطرة موحد.
ويبدو أن هناك اقتراحات أخرى لدمج نظام القيادة والسيطرة والاتصالات (سي3) فيما بعد مع نظام إلكتروني لرصد المعلومات مما سيشكل نظام قيادة وسيطرة واتصالات استخبارت (سي31)، وسيرتكز العمود الفقري لنظام (سي31) على أكثر الأساليب تطوراً في مجال تنظيم المعلومات وعرضها، ويأمل القادة السعوديون والأمريكيون بأن يتمكن نظام (سي31) من الربط بين الأجزاء الأخرى من البرنامج المشترك في عام 1990م في إطار شبكة قتال موحدة.
وتشير المعلومات إلى أن البنتاغون قد قام بدراسات لعملية تركيب نظام (سي31) القادر على الربط بين القوات
السعودية والقوات الأمريكية وقوات محلية أخرى، وقد قدرت تكاليف تطويره بنحو 5 مليار دولار... ومن المهم هنا أن نذكر أن هدف الصفقة النهائي كان سراً حتى عن الكونجرس.
تقول المقالة: وقد عبَّر أحد المحرّضين من أجل الحصول على تأييد الكونجرس للصفقة عن صحة عملية إخفاء المعلومات الأساسية عن الكونجرس قائلاً: ''نحن مجبرون لاطلاعهم على المعدات التي نبيعها ولكننا لسنا مجبرين على شرح معنى هذه المعدات''!
ومن مهمات نظام القيادة والسيطرة والاتصالات التي ستحصل عليها
السعودية تنسيق عملية دخول القوات الأمريكية بشكل موسَّع إلى المنطقة عند الحاجة، وسيشمل النظام عدداً من الأعتدة الأخرى المتطورة، ستبيع
الولايات المتحدة البعض منها على شكل صفقات جزئية والبعض الآخر ستدخلها مع النظام نفسه، هذا بالإضافة إلى بعض الأسلحة التي ستشتريها بعض الدول الخليجية الأخرى باسمها وبتمويل سعودي بهدف دمجها في هذا النظام، وقد بينت "ورقة عمل" محدودة التوزيع وخاصة بالبنتاغون وُزِّعت على أعضاء الإدارة لتحضيرهم لمناقشة قضية الأواكس في الكونجرس أن الصفقة ''تهيئ الأوضاع لتطوير نظام إقليمي للدفاع الجوي لكل
منطقة الخليج بدعم أمريكي'' كما بينت هذه الدراسة: ''أن السعوديين قد أبدوا رغبتهم للعمل باتجاه نظام دفاعي إقليمي موحد وأن
الولايات المتحدة وافقت على دعم هذا النظام الإقليمي''.
وقد جاء في هذه الورقة: '' أن
المملكة العربية قد اتخذت المبادرة في تكوين مجلس التعاون الخليجي مع
البحرين و
عمان و
قطر و
الإمارات العربية المتحدة و
الكويت، وأن إحدى الأهداف الأساسية لهذا المجلس هي تطوير الدفاع المشترك في
منطقة الخليج '' وبينت أن الأواكس والنظام الدفاعي الأرضي المرتبط بها '' سيسمح بربط شبكات الدفاع الجوي لهذه الدول في نظام موحد ''.
ويبدو واضحاً أن البنتاغون يأمل أنه في حال استطاعة
السعودية تنظيم هذا النظام الدفاعي الموحد لدول
الخليج فالخطوة التالية: هي المطالبة بتواجد عسكري أمريكي دائم مما سيؤدي إلى خلق تحالف محلي عسكري جديد ضد
الاتحاد السوفييتي، وعلى حدوده الجنوبية مكمل لدفاعات حلف الأطلسي في الغرب.
وبينما لا يبدو واضحاً بالنسبة للمخططين في
الولايات المتحدة عدد دول
الخليج التي ستوافق على الدخول في هذا النظام الإقليمي الذي ستسيطر عليه
السعودية، إلا أن
السعودية سائرة في خططها على أساس دخول عدد من هذه الدول، وهذا واضح من خلال بناء
السعودية لمنشآت عسكرية معقدة وأكبر بكثير من حاجاتها الذاتية، ومن المنتظر أن تصل قيمة هذه المشاريع خلال العقد الحالي إلى ما بين 35 و60 مليار دولار.
وتطمح بعض أوساط المخططين العسكريين في
الولايات المتحدة أن يضم هذا التحالف
مصر في المستقبل، وينسق لدورها العسكري في المنطقة، وبالفعل تمت عملية إرسال طائرات الأواكس إلى
مصر بعد مقتل
السادات، وصرَّح أحد العسكريين الأمريكيين بأن ''هدف البعثة الموجودة في
مصر هو القيام بتدريبات بهدف تعريف عناصر المراقبة الأرضية المصرية والذين يعملون على أجهزة الرادار عادة على طائرات الأواكس'' ويتابع قائلاً: ''ونأخذهم "العناصر" على طائرات الأواكس ونطلعهم على أنواع أجهزتها، ثم يقومون بتطبيق نفس الأساليب التي يستخدمونها على الأرض" اهـ.
وهكذا نجد أن سياسة "العمودين" وكذلك صفقات الأسلحة الضخمة المتطورة لم تكن حلاً نهائياً، بل وسيلة مؤقتة ومموهة لما تحقق في سنة 1990م عقب الغزو العراقي!! وسوف تكشف الأيام المزيد.